فصل: باب لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ

مساءً 1 :56
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*سورة النَّمْلِ

وَالْخَبْءُ مَا خَبَأْتَ لَا قِبَلَ لَا طَاقَةَ الصَّرْحُ كُلُّ مِلَاطٍ اتُّخِذَ مِنْ الْقَوَارِيرِ وَالصَّرْحُ الْقَصْرُ وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَهَا عَرْشٌ سَرِيرٌ كَرِيمٌ حُسْنُ الصَّنْعَةِ وَغَلَاءُ الثَّمَنِ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ طَائِعِينَ رَدِفَ اقْتَرَبَ جَامِدَةً قَائِمَةً أَوْزِعْنِي اجْعَلْنِي وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَكِّرُوا غَيِّرُوا وَأُوتِينَا الْعِلْمَ يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ الصَّرْحُ بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا إِيَّاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة النمل - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقط ‏"‏ سورة والبسملة ‏"‏ لغير أبي ذر، وثبت للنسفي لكن بتقديم البسملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخبء ما خبأت‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ والخبء ‏"‏ بزيادة واو في أوله، وهذا قول ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال‏:‏ ‏(‏يخرج الخبء‏)‏ ‏:‏ يعلم كل خفية في السماوات والأرض‏.‏

وقال الفراء في قوله‏:‏ ‏(‏يخرج الخبء‏)‏ ‏:‏ أي الغيث من السماء والنبات من الأرض، قال‏:‏ و ‏"‏ في ‏"‏ هنا بمعنى من، وهو كقولهم‏:‏ ليستخرجن العلم فيكم أي الذي منكم، وقرأ ابن مسعود ‏"‏ يخرج الخبء من ‏"‏ بدل ‏"‏ في‏"‏، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ الخبء السر، ولابن أبي حاتم من طريق عكرمة مثله، ومن طريق مجاهد قال‏:‏ الغيث‏.‏

ومن طريق سعيد بن المسيب قال‏:‏ الماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا قبل‏:‏ لا طاقة‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصرح كل ملاط اتخذ من القوارير‏)‏ كذا للأكثر بميم مكسورة‏.‏

وفي رواية الأصيلي بالموحدة المفتوحة ومثله لابن السكن، وكتبه الدمياطي في نسخته بالموحدة وليست هي روايته‏.‏

والملاط بالميم المكسورة الطين الذي يوضع بين ساقتي البناء، وقيل‏:‏ الصخر، وقيل‏:‏ كل بناء عال منفرد‏.‏

وبالموحدة المفتوحة ما كسيت به الأرض من حجارة أو رخام أو كلس‏.‏

وقد قال أبو عبيدة‏:‏ الصرح كل بلاط اتخذ من قوارير، والصرح القصر‏.‏

وأخرج الطبري من طريق وهب بن منبه قال‏:‏ أمر سليمان الشياطين فعملت له الصرح من زجاج كأنه الماء بياضا، ثم أرسل الماء تحته ووضع سريره فيه فجلس عليه‏.‏

وعكفت عليه الطير والجن والإنس، ليريها ملكا هو أعز من ملكها، فلما رأت ذلك بلقيس حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لتخوضه‏.‏

ومن طريق محمد بن كعب قال‏:‏ سجن سليمان فيه دواب البحر الحيتان والضفادع، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما، فأمرها سليمان فاستترت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والصرح القصر وجماعته صروح‏)‏ هو قول أبي عبيدة كما تقدم، وسيأتي له تفسير آخر بعد هذا بقليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ ولها عرش سرير كريم حسن الصنعة وغلاء الثمن‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ولها عرش عظيم‏)‏ قال‏:‏ سرير كريم حسن الصنعة، قال‏:‏ وكان من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ‏.‏

ولابن أبي حاتم من طريق زهير بن محمد قال‏:‏ حسن الصنعة غالي الثمن سرير من ذهب وصفحتاه مرمول بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعا في أربعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأتوني مسلمين طائعين‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله، ومن طريق ابن جريج أي مقرين بدين الإسلام، ورجح الطبري الأول واستدل له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ردف اقترب‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏عسى أن يكون ردف لكم‏)‏ اقترب لكم‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏عسى أن يكون ردف لكم‏)‏ أي جاء بعدكم‏.‏

ودعوى المبرد أن اللام زائده وأن الأصل ردفكم قاله على ظاهر اللفظ، وإذا صح أن المراد به اقترب صح تعديته باللام كقوله‏:‏ ‏(‏اقترب للناس حسابهم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جامدة قائمة‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوزعني‏:‏ اجعلني‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏أوزعني‏)‏ أي سددني إليه‏.‏

وقال في موضع آخر‏:‏ أي ألهمني، وبالثاني جزم الفراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ نكروا غيروا‏)‏ وصله الطبري من طريقه، ومن طريق قتادة وغيره نحو‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر صحيح عن مجاهد قال‏:‏ أمر بالعرش فغير ما كان أحمر جعل أخضر وما كان أخضر جعل أصفر، غير كل شيء عن حاله‏.‏

ومن طريق عكرمة قال‏:‏ زيدوا فيه وأنقصوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والقبس ما اقتبست منه النار‏)‏ ثبت هذا للنسفي وحده، وهو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى ‏(‏أو آتيكم بشهاب قبس‏)‏ أي بشعلة نار، ومعنى قبس ما اقتبس من النار ومن الجمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأوتينا العلم يقوله سليمان‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا، ونقل الواحدي أنه من قول بلقيس، قالته مقرة بصحة نبوة سليمان، والأول هو المعتمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير وألبسها إياه‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ إياها ‏"‏ وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ الصرح بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها، قال‏:‏ وكانت هلباء شقراء‏.‏

ومن وجه آخر عن مجاهد‏:‏ كشفت بلقيس عن ساقيها فإذا هما شعراوان، فأمر سليمان بالنورة فصنعت‏.‏

ومن طريق عكرمة نحوه قال‏:‏ فكان أول من صنعت له النورة‏.‏

وصله ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس‏.‏

*3*سورة الْقَصَصِ

كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إِلَّا مُلْكَهُ وَيُقَالُ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الْأَنْبَاءُ الْحُجَجُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة القصص - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت ‏"‏ سورة البسملة ‏"‏ لغير أبي ذر والنسفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا وجهه‏:‏ إلا ملكه‏)‏ في رواية النسفي ‏"‏ وقال معمر ‏"‏‏:‏ فذكره‏.‏

ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى، وهذا كلامه في كتابه ‏"‏ مجاز القرآن ‏"‏ لكن بلفظ ‏"‏ إلا هو ‏"‏ وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية، وكذا ذكره الفراء‏.‏

وقال ابن التين قال أبو عبيدة‏:‏ إلا وجهه أي جلاله، وقيل‏:‏ إلا إياه، تقول‏:‏ أكرم الله وجهك أي أكرمك الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال‏:‏ إلا ما أريد به وجهه‏)‏ نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية، ووصله ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مجاهد مثله، ومن طريق سفيان الثوري قال‏:‏ إلا ما ابتغي به وجه الله من الأعمال الصالحة انتهى‏.‏

ويتخرج هذان القولان على الخلاف في جواز إطلاق ‏"‏ شيء ‏"‏ على الله، فمن أجازه قال‏:‏ الاستثناء متصل والمراد بالوجه الذات والعرب تعبر بالأشرف عن الجملة، ومن لم يجز إطلاق ‏"‏ شيء ‏"‏ على الله قال‏:‏ هو منقطع، أي لكن هو تعالى لم يهلك، أو متصل والمراد بالوجه ما عمل لأجله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ فعميت عليهم الأنباء الحجج‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء‏)‏ لم تختلف النقلة في أنها نزلت في أبي طالب واختلفوا في المراد بمتعلق ‏"‏ أحببت ‏"‏ فقيل‏:‏ المراد أحببت هدايته، وقيل‏:‏ أحببته هو لقرابته منك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُولِي الْقُوَّةِ لَا يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنْ الرِّجَالِ لَتَنُوءُ لَتُثْقِلُ فَارِغًا إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى الْفَرِحِينَ الْمَرِحِينَ قُصِّيهِ اتَّبِعِي أَثَرَهُ وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَقُصَّ الْكَلَامَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ عَنْ جُنُبٍ عَنْ بُعْدٍ عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ وَعَنْ اجْتِنَابٍ أَيْضًا يَبْطِشُ وَيَبْطُشُ يَأْتَمِرُونَ يَتَشَاوَرُونَ الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِدٌ آنَسَ أَبْصَرَ الْجِذْوَةُ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ وَالشِّهَابُ فِيهِ لَهَبٌ وَالْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ الْجَانُّ وَالْأَفَاعِي وَالْأَسَاوِدُ رِدْءًا مُعِينًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَدِّقُنِي وَقَالَ غَيْرُهُ سَنَشُدُّ سَنُعِينُكَ كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا مَقْبُوحِينَ مُهْلَكِينَ وَصَّلْنَا بَيَّنَّاهُ وَأَتْمَمْنَاهُ يُجْبَى يُجْلَبُ بَطِرَتْ أَشِرَتْ فِي أُمِّهَا رَسُولًا أُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا تُكِنُّ تُخْفِي أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ أَخْفَيْتُهُ وَكَنَنْتُهُ أَخْفَيْتُهُ وَأَظْهَرْتُهُ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ مِثْلُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ يُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو المسيب بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون، وقد تقدم بعض شرح الحديث في الجنائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما حضرت أبا طالب الوفاة‏)‏ قال الكرماني‏:‏ المراد حضرت علامات الوفاة، وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه، ولهذا قال‏:‏ ‏"‏ أجادل لك بها وأشفع لك ‏"‏ وسيأتي بيانه‏.‏

ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد وقال هو‏:‏ ‏"‏ على ملة عبد المطلب ‏"‏ ومات على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة له، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره، وكان ذلك من الخصائص في حقه، وقد تقدمت الرواية بذلك في السيرة النبوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية‏)‏ يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة، فإن المذكورين من بني مخزوم وهو من بني مخزوم أيضا، وكان الثلاثة يومئذ كفارا فمات أبو جهل على كفره وأسلم الآخران‏.‏

وأما قول بعض الشراح‏:‏ هذا الحديث من مراسيل الصحابة فمردود، لأنه استدل بأن المسيب على قول مصعب من مسلمة الفتح، وعلى قول العسكري ممن بايع تحت الشجرة، قال‏:‏ فأيا ما كان فلم يشهد وفاة أبي طالب لأنه توفي هو وخديجة في أيام متقاربة في عام واحد، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نحو الخمسين انتهى‏.‏

ووجه الرد أنه لا يلزم من كون المسيب تأخر إسلامه أن لا يشهد وفاة أبي طالب كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو يومئذ كافر ثم أسلم بعد ذلك، وعجب من هذا القائل كيف يعزو كون المسيب كان ممن بايع تحت الشجرة إلى العسكري ويغفل عن كون ذلك ثابتا في هذا الصحيح الذي شرحه كما مر في المغازي واضحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أي عم‏)‏ أما ‏"‏ أي ‏"‏ فهو بالتخفيف حرف نداء، وأما ‏"‏ عم ‏"‏ فهو منادي مضاف، ويجوز فيه إثبات الياء وحذفها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلمة‏)‏ بالنصب على البدل من لا إله إلا الله أو الاختصاص‏.‏

ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحاج‏)‏ بتشديد الجيم من المحاجة وهي مفاعلة من الحجة والجيم مفتوحة على الجزم جواب الأمر، والتقدير إن تقل أحاج، ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، ووقع في رواية معمر عن الزهري بها الإسناد في الجنائز ‏"‏ أشهد ‏"‏ بدل ‏"‏ أحاج ‏"‏ وفي رواية مجاهد عند الطبري ‏"‏ أجادل عنك بها ‏"‏ زاد الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري قال‏:‏ ‏"‏ أي عم، إنك أعظم الناس علي حقا، وأحسنهم عندي يدا، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يزل يعرضها‏)‏ بفتح أوله وكسر الراء‏.‏

وفي رواية الشعبي عند الطبري ‏"‏ فقال له ذلك مرارا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويعيدانه بتلك المقالة‏)‏ أي ويعيدانه إلى الكفر بتلك المقالة، كأنه قال‏:‏ كان قارب أن يقولها فيردانه‏.‏

ووقع في رواية معمر فيعودان له بتلك المقالة وهي أوضح، ووقع عند مسلم ‏"‏ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول له تلك المقالة ‏"‏ قال القرطبي في‏:‏ ‏"‏ المفهم ‏"‏ كذا في الأصول وعند أكثر الشيوخ، والمعنى أنه عرض عليه الشهادة وكررها عليه‏.‏

ووقع في بعض النسخ ‏"‏ ويعيد أن له بتلك المقالة ‏"‏ والمراد قول أبي جهل ورفيقه له ‏"‏ ترغب عن ملة عبد المطلب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخر ما كلمهم‏:‏ على ملة عبد المطلب‏)‏ خبر مبتدأ محذوف أي هو على ملة‏.‏

وفي رواية معمر ‏"‏ هو على ملة عبد المطلب ‏"‏ وأراد بذلك نفسه‏.‏

ويحتمل أن يكون قال ‏"‏ أنا ‏"‏ فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور؛ وهي من التصرفات الحسنة‏.‏

ووقع في رواية مجاهد قال‏:‏ ‏"‏ يا ابن أخي ملة الأشياخ ‏"‏ ووقع في حديث أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي والطبري ‏"‏ قال‏:‏ لولا أن تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك ‏"‏ وفي رواية الشعبي عند الطبراني ‏"‏ قال‏:‏ لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل ‏"‏ وضبط ‏"‏ جزع ‏"‏ بالجيم والزاي، ولبعض رواة مسلم بالخاء المعجمة والراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبى أن يقول لا إله إلا الله‏)‏ هو تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب، وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه ذلك منه في تلك الحال، وهذا القدر هو الذي يمكن إطلاعه عليه، ويحتمل أن يكون أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك، وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر‏.‏

قلت‏:‏ وهي غفلة شديدة منه، فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد، وطلبها لم ينه عنه، وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة، وإنما ساغ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بإبراهيم في ذلك، ثم ورد نسخ ذلك كما سيأتي بيانه واضحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله‏:‏ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‏)‏ أي ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية‏.‏

وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي‏.‏

فقال أصحابه‏:‏ لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه، فنزلت ‏"‏ وهذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول‏.‏

وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى، فبكينا لبكائه، فقال‏:‏ إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل علي‏:‏ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ‏"‏ وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه ‏"‏ نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ‏"‏ ولم يذكر نزول الآية‏.‏

وفي رواية الطبري من هذا الوجه ‏"‏ لما قدم مكة أتى رسم قبر ‏"‏ ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية ‏"‏ لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت ‏"‏ وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه ‏"‏ لما هبط من ثنية عسفان ‏"‏ وفيه نزول الآية في ذلك‏.‏

فهذه طرق يعضد بعضها بعضا، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد بعد أن شج وجهه ‏"‏ رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ‏"‏ لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصا بالأحياء وليس البحث فيه، ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان‏:‏ متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة‏.‏

ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب‏:‏ ‏"‏ وأنزل الله في أبي طالب‏:‏ إنك لا تهدي من أحببت ‏"‏ لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره والثانية نزلت فيه وحده، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال‏:‏ ‏"‏ سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله‏:‏ ما كان للنبي الآية ‏"‏ وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ وقال المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه‏؟‏ فنزلت ومن طريق قتادة قال‏:‏ ‏"‏ ذكرنا له أن رجالا ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏

وفي الحديث أن من لم يعمل خيرا قط إذا ختم عمره بشهادة أن لا إله إلا الله حكم بإسلامه وأجريت عليه أحكام المسلمين، فإن قارن نطق لسانه عقد قلبه نفعه ذلك عند الله تعالى، بشرط أن لا يكون وصل إلى حد انقطاع الأمل من الحياة وعجز عن فهم الخطاب ورد الجواب وهو وقت المعاينة، وإليه الإشارة بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال‏:‏ إني تبت الآن‏)‏ والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العدوان والعداء والتعدي واحد‏)‏ أي بمعنى واحد وأراد تفسير قوله في قصة موسى وشعيب‏:‏ ‏(‏فلا عدوان علي‏)‏ والعداء بفتح العين ممدود قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فلا عدوان علي‏)‏ ‏:‏ وهو والعداء والتعدي والعدو كله واحد، والعدو من قوله‏:‏ عدا فلان على فلان‏.‏

قوله‏:‏ وقال ابن عباس‏:‏ ‏(‏أولي القوة‏)‏ ‏:‏ لا يرفعها العصبة من الرجال ‏(‏لتنوء‏)‏ لتثقل ‏(‏فارغا‏)‏ إلا من ذكر موسى ‏(‏الفرحين‏)‏ المرحين ‏(‏قصيه‏)‏ اتبعي أثره، وقد يكون أن يقص الكلام ‏(‏نحن نقص عليك‏)‏ ‏.‏

‏(‏عن جنب‏)‏ عن بعد وعن جنابة واحد وعن اجتناب أيضا‏.‏

‏(‏نبطش‏)‏ ونبطش أي بكسر الطاء وضمها‏.‏

‏(‏يأتمرون‏:‏ يتشاورون‏)‏ هذا جميعه سقط لأبي ذر والأصيلي وثبت لغيرهما من أوله إلى قوله‏:‏ ‏"‏ ذكر موسى ‏"‏ تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وكذا قوله‏:‏ ‏"‏ نبطش إلخ ‏"‏ وأما قوله‏:‏ ‏"‏ الفرحين المرحين ‏"‏ فهو عند ابن أبي حاتم موصول من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقوله‏:‏ ‏"‏ قصيه‏:‏ اتبعي أثره ‏"‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في قوله‏:‏ ‏(‏وقالت لأخته قصيه‏)‏ ‏:‏ قصي أثره‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏قصيه‏)‏ اتبعي أثره، يقال‏:‏ قصصت آثار القوم‏.‏

وقال في قوله‏:‏ ‏(‏فبصرت به عن جنب‏)‏ أي عن بعد وتجنب، ويقال‏:‏ ما تأتينا إلا عن جنابة وعن جنب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تأجرني تأجر فلانا تعطيه أجرا، ومنه التعزية آجرك الله‏)‏ ثبت هذا للنسفي وقد قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏على أن تأجرني ثماني حجج‏)‏ من الإجارة، يقال‏:‏ فلان تأجر فلانا، ومنه آجرك الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشاطئ والشط واحد، وهما ضفتا وعدوتا الوادي‏)‏ ثبت هذا للنسفي أيضا، وقد قال أبو عبيدة‏:‏ ‏(‏نودي من شاطئ الوادي‏)‏ ‏:‏ الشاطئ والشط واحد وهما ضفتا الوادي وعدوتاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأنها جان‏)‏ في رواية أخرى ‏(‏حية تسعى‏)‏ والحيات أجناس‏.‏

الجان والأفاعي والأساود، ثبت هذا للنسفي أيضا وقد تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقبوحين‏:‏ مهلكين‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلنا بيناه وأتمناه‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏ولقد وصلنا لهم القول‏)‏ قال‏:‏ بينا لهم القول، وقيل‏:‏ المعنى أتبعنا بعضه بعضا فاتصل وهذا قول الفراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجبى يجلب‏)‏ هو بسكون الجيم وفتح اللام ثم موحدة‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏يجبى إليه ثمرات كل شيء‏)‏ أي يجمع كما يجمع الماء في الجابية فيجمع للوارد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بطرت أشرت‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها‏)‏ أي أشرت وطغت وبغت، والمعنى بطرت في معيشتها‏.‏

فانتصب بنزع الخافض‏.‏

وقال الفراء‏:‏ المعنى أبطرتها معيشتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أمها رسولا‏:‏ أم القرى مكة وما حولها‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ أم القرى مكة في قول العرب وفي رواية أخرى ‏(‏لتنذر أم القرى ومن حولها‏)‏ ولابن أبي حاتم من طريق قتادة نحوه‏.‏

ومن وجه آخر عن قتادة عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏في أمها‏)‏ قال‏:‏ في أوائلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تكن تخفي، أكننت الشيء أخفيته، وكننته أخفيته وأظهرته‏)‏ كذا للأكثر، ولبعضهم أكننته أخفيته، وكننته خفيته‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ أخفيته سترته وخفيته أظهرته‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وربك يعلم ما تكن صدورهم‏)‏ أي تخفي، يقال‏:‏ أكننت ذلك في صدري بألف، وكننت الشيء خفيته وهو بغير ألف‏.‏

وقال في موضع آخر‏:‏ أكننت وكننت واحد‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ أكننته إذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويكأن الله مثل ‏(‏ألم تر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‏)‏ يوسع عليه ويضيق‏)‏ وقع هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويكأن الله‏)‏ أي ألم تر أن الله‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏ويكأن الله‏)‏ أي أو لا يعلم أن الله‏.‏

*3*باب إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إن الذي فرض عليك القرآن‏)‏ سقطت الترجمة لغير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قَالَ إِلَى مَكَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يعلى‏)‏ هو ابن عبيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان العصفري‏)‏ هو ابن دينار التمار كما تقدم تحقيقه في آخر الجنائز، وليس له في البخاري سوى هذين الموضعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لرادك إلى معاد، قال‏:‏ إلى مكة‏)‏ هكذا في هذه الرواية‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ كان ابن عباس يكتم تفسير هذه الآية، وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ لرادك إلى معاد‏:‏ قال‏:‏ إلى الجنة ‏"‏ وإسناده ضعيف، ومن وجه آخر قال‏:‏ ‏"‏ إلى الموت ‏"‏ وأخرجه ابن أبي حاتم وإسناده لا بأس به، ومن طريق مجاهد قال‏:‏ ‏"‏ يحييك يوم القيامة ‏"‏ ومن وجه آخر عنه ‏"‏ إلى مكة ‏"‏ وقال عبد الرزاق قال معمر‏:‏ وأما الحسن والزهري فقالا هو يوم القيامة؛ وروى أبو يعلى من طريق أبي جعفر محمد بن علي قال‏:‏ سألت أبا سعيد عن هذه الآية فقال‏:‏ معاده آخرته، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف‏.‏

*3*سورة الْعَنْكَبُوتِ

قَالَ مُجَاهِدٌ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ضَلَلَةً وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَيَوَانُ وَالْحَيُّ وَاحِدٌ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ فَلِيَمِيزَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ أَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ أَوْزَارًا مَعَ أَوْزَارِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة العنكبوت - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت ‏"‏ سورة والبسملة ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ وكانوا مستبصرين ضللة‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ معجبين بضلالتهم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة قال‏:‏ كانوا مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ الحيوان والحي واحد‏)‏ ثبت هذا لأبي ذر وحده، وللأصيلي‏:‏ الحيوان والحياة واحد، وهو قول أبي عبيدة قال‏:‏ الحيوان والحياة واحد وزاد‏:‏ ومنه قولهم نهر الحيوان أي نهر الحياة، وتقول حييت حيا، والحيوان والحياة اسمان منه‏.‏

وللطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏"‏ لهي الحيوان ‏"‏ قال‏:‏ لا موت فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليعلمن الله، علم الله ذلك إنما هي بمنزلة فليميز الله كقوله‏:‏ ليميز الله الخبيث من الطيب‏)‏ وقال أبو عبيده في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فليعلمن الله الذين آمنوا‏)‏ أي فليميزن الله لأن الله قد علم ذلك من قبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أثقالا مع أثقالهم أوزارا مع أوزارهم‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال‏:‏ من دعا قوما إلى ضلالة فعليه مثل أوزارهم‏.‏

ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة قال‏:‏ ‏(‏وليحملن أثقالهم‏)‏ أي أوزارهم ‏(‏وأثقالا مع أثقالهم‏)‏ أوزار من أضلوا‏.‏

*3*سورة الرُّومِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ سورة الروم - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر‏.‏

*3*باب فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ

مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً يَبْتَغِي أَفْضَلَ مِنْهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا

قَالَ مُجَاهِدٌ يُحْبَرُونَ يُنَعَّمُونَ يَمْهَدُونَ يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ الْوَدْقُ الْمَطَرُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فِي الْآلِهَةِ وَفِيهِ تَخَافُونَهُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا يَصَّدَّعُونَ يَتَفَرَّقُونَ فَاصْدَعْ وَقَالَ غَيْرُهُ ضُعْفٌ وَضَعْفٌ لُغَتَانِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ السُّوأَى الْإِسَاءَةُ جَزَاءُ الْمُسِيئِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد يحبرون ينعمون‏)‏ وصله الفريابي من طريق أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون‏)‏ أي ينعمون‏.‏

ولابن أبي حاتم والطبري من طريق يحيي بن أبي كثير قال‏:‏ لذة السماع، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‏(‏يحبرون‏)‏ قال‏:‏ يكرمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يربو من أعطى يبتغي أفضل فلا أجر له فيها‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس‏)‏ قال‏:‏ يعطي ماله يبتغي أفضل منه‏.‏

وقال عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن الضحاك في هذه الآية قال‏:‏ هذا هو الربا الحلال يهدي الشيء ليثاب أفضل منه، ذاك لا له ولا عليه‏.‏

وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد العزيز وزاد‏:‏ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه خاصة‏.‏

ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن إبراهيم قال‏:‏ هذا في الجاهلية كان يعطي الرجل قرابته المال يكثر به ماله، ومن طريق محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ هو الرجل يعطي الآخر الشيء ليكافئه به ويزاد عليه فلا يربو عند الله‏.‏

ومن طريق الشعبي قال‏:‏ هو الرجل يلصق بالرجل يخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح بعض ما يتجر فيه، وإنما أعطاه التماس عونه ولم يرد به وجه الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمهدون يسوون المضاجع‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏فلأنفسهم يمهدون‏)‏ قال‏:‏ يسوون المضاجع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الودق المطر‏)‏ وصله الفريابي أيضا بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ ‏(‏هل لكم مما ملكت أيمانكم‏)‏ في الآلهة وفيه تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال‏:‏ هي في الآلهة وفيه يقول‏:‏ تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا، والضمير في قوله‏:‏ ‏"‏ فيه ‏"‏ لله تعالى أي أن المثل لله وللأصنام، فالله المالك والأصنام مملوكة والمملوك لا يساوي المالك‏.‏

ومن طريق أبي مجلز مال‏:‏ إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك وليس له ذلك كذلك الله لا شريك له‏.‏

ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال‏:‏ هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه يقول‏:‏ أكان أحد منكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته‏؟‏ وكذلك لا يرضى الله أن يعدل به أحد من خلقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصدعون يتفرقون، فاصدع‏)‏ أما قوله يتفرقون فقال أبو عبيدة في قوله يومئذ يصدعون أي يتفرقون، وأما قوله‏:‏ فاصدع فيشير إلى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاصدع بما تؤمر‏)‏ وقد قال أبو عبيدة أيضا في قوله‏:‏ فاصدع بما تؤمر أي افرق وامضه، وأصل الصدع الشق في الشيء، وخصه الراغب بالشيء الصلب كالحديد تقول‏:‏ صدعته فانصدع بالتخفيف وصدعته فتصدع بالتثقيل، ومنه صداع الرأس لتوهم الاشتقاق فيه، والمراد بقوله‏:‏ اصدع أي فرق بين الحق والباطل بدعائك إلى الله عز وجل وافصل بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ ضعف وضعف لغتان‏)‏ هو قول الأكثر، وقرئ بهما، فالجمهور بالضم وقرأ عاصم وحمزة بالفتح في الألفاظ الثلاثة‏.‏

وقال الخليل‏:‏ الضعف بالضم ما كان في الجسد وبالفتح ما كان في العقل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ السوأي الإساءة جزاء المسيئين‏)‏ وصله الفريابي، واختلف في ضبط الإساءة فقيل‏:‏ بكسر الهمزة والمد، وجوز ابن التين فتح أوله ممدودا ومقصورا وهو من آسى أي حزن، وللطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ثم كان عاقبه الذين أساءوا السوآي أن كذبوا‏)‏ أي الذين كفروا جزاؤهم العذاب‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث ابن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنين وسؤالهم له الدعاء برفع القحط، وقد تقدم شرح ذلك في الاستسقاء، ويأتي ما يتعلق بالذي وقع في صدر الحديث من الدخان في تفسير سورة الدخان إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ فَقَالَ يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ فَفَزِعْنَا فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَغَضِبَ فَجَلَسَ فَقَالَ مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ فَقَرَأَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ وَ لِزَامًا يَوْمَ بَدْرٍ الم غُلِبَتْ الرُّومُ إِلَى سَيَغْلِبُونَ وَالرُّومُ قَدْ مَضَى

الشرح‏:‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ إن من العلم أن يقول لما لا يعلم‏:‏ لا أعلم ‏"‏ أي أن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم، وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدري نصف العلم، ولأن القول فيما لا يعلم قسم من التكلف‏.‏

*3*باب لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ

لِدِينِ اللَّهِ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ دِينُ الْأَوَّلِينَ وَالْفِطْرَةُ الْإِسْلَامُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ باب ‏(‏لا تبديل لخلق الله‏)‏ لدين الله، خلق الأولين دين الأولين‏)‏ أخرج الطبري من طريق إبراهيم النخعي في قوله‏:‏ ‏(‏لا تبديل لخلق الله‏)‏ قال‏:‏ لدين الله‏.‏

ومن طرق عن مجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك مثله، وفيه قول آخر أخرجه الطبري من طرق عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد قال‏:‏ الإحصاء‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏إن هذا إلا خلق الأولين‏)‏ يقول‏:‏ دين الأولين، وهذا يؤيد الأول‏.‏

وفيه قول آخر أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علقمة في قوله‏:‏ ‏(‏خلق الأولين‏)‏ قال‏:‏ اختلاق الأولين‏.‏

ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ كذبهم‏.‏

ومن طريق قتادة قال‏:‏ سيرتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والفطرة الإسلام‏)‏ هو قول عكرمة‏:‏ وصله الطبري من طريقه، وقد تقدم نقل الخلاف في ذلك في أواخر كتاب الجنائز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ ما من مولود إلا يولد على الفطرة ‏"‏ وقد تقدم بسنده ومتنه في كتاب الجنائز مع شرحه في ‏"‏ باب ما قيل في أولاد المشركين‏"‏‏.‏

*3*سورة لُقْمَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة لقمان - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر؛ وسقطت البسملة فقط للنسفي‏.‏

*3*باب لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم‏)‏ ذكر فيه حديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏)‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ إن الله عنده علم الساعة‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ رُدُّوا عَلَيَّ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وغير ذلك، وفيه خمس لا يعلمهن إلا الله وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الإيمان، وسيأتي في التوحيد شيء يتعلق بذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمر بن محمد بن زيد أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال‏)‏ هكذا قال ابن وهب، وخالفه أبو عاصم فقال‏:‏ ‏"‏ عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم عن ابن عمر ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون لعمر بن محمد فيه شيخان أبوه وعم أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ‏:‏ إن الله عنده علم الساعة‏)‏ هكذا وقع مختصرا‏.‏

وفي رواية أبي عاصم المذكورة مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله‏:‏ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ‏"‏ يعني الآية كلها، وقد تقدم في تفسير سورة الرعد وفي الاستسقاء من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله‏:‏ لا يعلم ما في غد إلا الله ‏"‏ الحديث‏.‏

هذا السياق في الخمس‏.‏

وفي تفسير الأنعام من طريق الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ مفاتح الغيب خمس‏:‏ إن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة‏.‏

وأخرجه الطيالسي في مسنده عن إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ ‏"‏ أوتي نبيكم مفاتح الغيب إلا الخمس ‏"‏ ثم تلا الآية، وأظنه دخل له متن في متن، فإن هذا اللفظ أخرجه ابن مردويه من طريق عبد الله بن سلمة عن ابن مسعود نحوه‏.‏

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة‏:‏ عبر بالمفاتح لتقريب الأمر على السامع لأن كل شيء جعل بينك وبينه حجاب فقد غيب عنك، والتوصل إلى معرفته في العادة من الباب فإذا أغلق الباب احتيج إلى المفتاح، فإذا كان الشيء الذي لا يطلع على الغيب إلا بتوصيله لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وروى أحمد والبزار وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه قال‏:‏ ‏"‏ خمس لا يعلمهن إلا الله‏:‏ إن الله عنده علم الساعة ‏"‏ الآية وقد تقدم في كتاب الإيمان بيان جهة الحصر في قوله‏:‏ ‏(‏لا يعلمهن إلا الله‏)‏ ويراد هنا أن ذلك يمكن أن يستفاد من الآية الأخرى وهي قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله‏)‏ فالمراد بالغيب المنفي فيها هو المذكور في هذه الآية التي في لقمان، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول‏)‏ الآية فيمكن أن يفسر بما في حديث الطيالسي، وأما ما ثبت بنص القرآن أن عيسى عليه السلام قال‏:‏ إنه يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون وأن يوسف قال‏:‏ إنه ينبئهم بتأويل الطعام قبل أن يأتي إلى غير ذلك مما ظهر من المعجزات والكرامات فكل ذلك يمكن أن يستفاد من الاستثناء في قوله‏:‏ ‏(‏إلا من ارتضى من رسول‏)‏ فإنه يقتضي اطلاع الرسول على بعض الغيب والولي التابع للرسول عن الرسول يأخذ وبه يكرم، والفرق بينهما أن الرسول يطلع على ذلك بأنواع الوحي كلها والولي لا يطلع على ذلك إلا بمنام أو إلهام والله أعلم‏.‏

ونقل ابن التين عن الداودي أنه أنكر على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمسمائة عام قال‏:‏ وتقوم الساعة ويعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير الباري تعالى فلا يبقى غير وجهه، فرد عليه بأن وقت الساعة لا يعلمها إلا الله، فالذي قاله مخالف لصريح القرآن والحديث، ثم تعقبه من جهة أخرى وذلك أنه توهم من كلامه أنه ينكر البعث فأقدم على تفكيره وزعم أن كلامه لا يحتمل تأويلا، وليس كما قال بل مراد الطبري أنه يصير الأمر أي بعد فناء المخلوقات كلها على ما كان عليه أولا ثم يقع البعث والحساب، هذا الذي يجب حمل كلامه عليه، وأما إنكاره عليه استخراج وقت الساعة فهو معذور فيه، ويكفي في الرد عليه أن الأمر وقع بخلاف ما قال فقد مضت خمسمائة ثم ثلاثمائة وزيادة، لكن الطبري تمسك بحديث أبي ثعلبة رفعه ‏"‏ لن يعجز هذه الأمة أن يؤخرها الله نصف يوم ‏"‏ الحديث أخرجه أبو داود وغيره، لكنه ليس صريحا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك والله أعلم، وسيأتي ما يتعلق بقدر ما بقي من الدنيا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*سورة السَّجْدَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَهِينٍ ضَعِيفٍ نُطْفَةُ الرَّجُلِ ضَلَلْنَا هَلَكْنَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْجُرُزُ الَّتِي لَا تُمْطَرُ إِلَّا مَطَرًا لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا يَهْدِ يُبَيِّنْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة السجدة - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر وسقطت البسملة للنسفي، ولغيرهما ‏"‏ تنزيل السجدة ‏"‏ حسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ مهين ضعيف نطفة الرجل‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏من ماء مهين‏)‏ ضعيف، وللفريابي من هذا الوجه في قوله‏:‏ ‏(‏من سلالة من ماء مهين‏)‏ قال‏:‏ نطفة الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضللنا هلكنا‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وقالوا أئذا ضللنا في الأرض‏)‏ قال‏:‏ هلكنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس الجرز التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن رجل عن مجاهد عنه مثله، وذكره الفريابي وإبراهيم الحربي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ من طريق ابن أبي نجيح عن رجل عن ابن عباس كذلك زاد إبراهيم، وعن مجاهد قال‏:‏ هي أرض أبين‏.‏

وأنكر ذلك الحربي وقال‏:‏ أبين مدينة معروفة باليمن فلعل مجاهدا قال ذلك في وقت لم تكن أبين تنبت فيه شيئا‏.‏

وأخرج ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏إلى الأرض الجرز‏)‏ قال‏:‏ هي أرض باليمن‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ الأرض الجرز اليابسة الغليظة التي لم يصبها مطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهد يبين‏)‏ أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏أو لم يهد لهم‏)‏ قال‏:‏ أو لم يبين لهم‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏أولم يهد لهم‏)‏ أي يبين لهم وهو من الهدى‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين‏)‏ قرأ الجمهور أخفي بالتحريك على البناء للمفعول، وقرأ حمزة بالإسكان فعلا مضارعا مسندا للمتكلم، ويؤيده قراءة ابن مسعود ‏"‏ نخفي ‏"‏ بنون العظمة؛ وقرأها محمد بن كعب ‏"‏ أخفى ‏"‏ بفتح أوله وفتح الفاء على البناء للفاعل وهو الله، ونحوها قراءة الأعمش ‏"‏ أخفيت ‏"‏ وذكر المصنف في آخر الباب أن أبا هريرة قرأ ‏"‏ قرات أعين ‏"‏ بصيغة الجمع وبها قرأ ابن مسعود أيضا وأبو الدرداء، قال أبو عبيدة‏:‏ ورأيتها في المصحف الذي يقال له الإمام ‏(‏قرة‏)‏ بالهاء على الوحدة وهي قراءة أهل الأمصار‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ و حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ اللَّهُ مِثْلَهُ قِيلَ لِسُفْيَانَ رِوَايَةً قَالَ فَأَيُّ شَيْءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ أعددت لعبادي‏)‏ ووقع في حديث آخر ‏"‏ أن سبب هذا الحديث أن موسى عليه السلام سأل ربه من أعظم أهل الجنة منزلة‏؟‏ فقال‏:‏ غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ‏"‏ أخرجه مسلم والترمذي من طريق الشعبي سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أن موسى سأل ربه ‏"‏ فذكر الحديث بطوله وفيه هذا، وفي آخره‏:‏ قال‏:‏ ومصداق ذلك في كتاب الله ‏(‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا خطر على قلب بشر‏)‏ زاد ابن مسعود في حديثه ‏"‏ ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل ‏"‏ أخرجه ابن أبي حاتم، وهو يدفع قول من قال‏:‏ إنما قيل‏:‏ البشر لأنه يخطر بقلوب الملائكة‏.‏

والأولى حمل النفي فيه على عمومه فإنه أعظم في النفس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُرَّاتِ أَعْيُنٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخرا‏)‏ بضم الدال المهملة وسكون المعجمة منصوب متعلق بأعددت أي جعلت ذلك لهم مدخورا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بله ما أطلعتم عليه‏)‏ قال الخطابي كأنه يقول‏:‏ دع ما أطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادخر لهم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا لائق بشرح ‏"‏ بله ‏"‏ بغير تقدم ‏"‏ من ‏"‏ عليها، وأما إذا تقدمت من عليها فقد قيل‏:‏ هي بمعنى كيف ويقال‏:‏ بمعنى أجل ويقال‏:‏ بمعنى غير أو سوى وقيل‏:‏ بمعنى فضل، لكن قال الصغاني‏:‏ اتفقت نسخ الصحيح على ‏"‏ من بله ‏"‏ والصواب إسقاط كلمة ‏"‏ من ‏"‏ وتعقب بأنه لا يتعين إسقاطها إلا إذا فسرت بمعنى دع، وأما إذا فسرت بمعنى من أجل أو من غير أو سوى فلا، وقد ثبت في عدة مصنفات خارج الصحيح بإثبات من‏.‏

وأخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه ابن مردويه من رواية أبي معاوية عن الأعمش كذلك‏.‏

وقال ابن مالك‏:‏ المعروف ‏"‏ بله ‏"‏ اسم فعل بمعنى اترك ناصبا لما يليها بمقتضى المفعولية، واستعماله مصدرا بمعنى الترك مضافا إلى ما يليه، والفتحة في الأولى بنائية وفي الثانية إعرابية، وهو مصدر مهمل الفعل ممنوع الصرف‏.‏

وقال الأخفش‏:‏ بله هنا مصدر كما تقول ضرب زيد، وندر دخول من عليها زائدة‏.‏

ووقع في ‏"‏ المغني لابن هشام ‏"‏ أن بله استعملت معربة مجرورة بمن وأنها بمعنى غير ولم يذكر سواه، وفيه نظر لأن ابن التين حكى رواية من بله بفتح الهاء مع وجود من، فعلى هذا فهي مبنية وما مصدرية وهي وصلتها في موضع رفع على الابتداء والخبر هو الجار والمجرور المتقدم ويكون المراد ببله كيف التي يقصد بها الاستبعاد، والمعنى من أين اطلاعكم على هذا القدر الذي تقصر عقول البشر عن الإحاطة به، ودخول من على بله إذا كانت بهذا المعنى جائز كما أشار إليه الشريف في ‏"‏ شرح الحاجبية‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وأصح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب حيث وقع فيه ‏"‏ ولا خطر على قلب بشر دخرا من بله ما أطلعتم ‏"‏ أنها بمعنى غير وذلك بين لمن تأمله، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح‏:‏ قرأ أبو هريرة قرات أعين‏)‏ وصله أبو عبيدة القاسم بن سلام في كتاب ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ له عن أبي معاوية بهذا الإسناد مثله سواء‏.‏

وأخرج مسلم الحديث كله عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية به‏.‏

*3*سورة الْأَحْزَابِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ صَيَاصِيهِمْ قُصُورِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الأحزاب - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر، وسقطت البسملة فقط للنسفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ صياصيهم قصورهم‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معروفا في الكتاب‏)‏ ثبت هذا للنسفي وحده، وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن جريج قال‏:‏ قلت لعطاء في هذه الآية‏:‏ ‏(‏إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا‏)‏ فقال‏:‏ هو إعطاء المسلم الكافر بينهما قرابة صلة له‏.‏

*3*باب النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏)‏ ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ ما من مؤمن إلا وأنا أولى به ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه في الفرائض إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله‏)‏ أي أعدل، وسيأتي تفسير القسط، والفرق بين القاسط والمقسط في آخر الكتاب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد ابن محمد، حتى نزل القرآن‏:‏ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله‏)‏ في رواية القاسم بن معن عن موسى بن عقبة في هذا الحديث ‏"‏ ما كنا ندعو زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا زيد ابن محمد ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي‏.‏

وفي حديث عائشة الآتي في النكاح في قصة سالم مولى أبي حذيفة ‏"‏ وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه، حتى نزلت هذه الآية ‏"‏ وسيأتي مزيد الكلام على قصة زيد بن حارثة في ذلك بعد قليل إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا نَحْبَهُ عَهْدَهُ أَقْطَارِهَا جَوَانِبُهَا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا لَأَعْطَوْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ باب ‏(‏فمنهم من قضى نحبه‏)‏ عهده‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فمنهم من قضى نحبه‏)‏ أي نذره، والنحب النذر والنحب أيضا النفس والنحب أيضا الخطر العظيم‏.‏

وقال غيره‏:‏ النحب في الأصل النذر ثم استعمل في آخر كل شيء‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ أنبأنا معمر عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏فمنهم من قضى نحبه‏)‏ قال‏:‏ قضى أجله على الوفاء والتصديق وهذا مخالف لما قاله غيره، بل ثبت عن عائشة ‏"‏ أن طلحة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أنت يا طلحة ممن قضى نحبه ‏"‏ أخرجه ابن ماجه والحاكم‏.‏

ويمكن أن يجمع بحمل حديث عائشة على المجاز، وقضى بمعنى يقضي‏.‏

ووقع في تفسير ابن أبي حاتم‏:‏ منهم عمار بن ياسر‏.‏

وفي تفسير يحيى بن سلام‏:‏ منهم حمزة وأصحابه‏.‏

وقد تقدم في قصة أنس بن النضر قول أنس بن مالك‏:‏ منهم أنس بن النضر‏.‏

وعند الحاكم من حديث أبي هريرة‏:‏ منهم مصعب بن عمير، ومن حديث أبي ذر أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقطارها جوانبها‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الفتنة لآتوها لأعطوها‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا وهو على قراءة آتوها بالمد، وأما من قرأها بالقصر - وهي قراءة أهل الحجاز - فمعناه جاءوها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نُرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

ثم ذكر طرفا من حديث أنس في قصة أنس بن النضر، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت قال‏:‏ لما نسخنا الصحف في المصاحف‏)‏ تقدم في آخر تفسير التوبة من وجه آخر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت، لكن في تلك الرواية أن الآية ‏(‏لقد جاءكم رسول‏)‏ وفي هذه أن الآية ‏(‏من المؤمنين رجال‏)‏ فالذي يظهر أنهما حديثان، وسيأتي في فضائل القرآن من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بالحديثين معا في سياق واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيرا أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها‏)‏ هذا يدل على أن زيدا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه، ولا يقتصر على حفظه‏.‏

لكن فيه إشكال لأن ظاهره أنه اكتفى مع ذلك بخزيمة وحده والقرآن إنما يثبت بالتواتر، والذي يظهر في الجواب أن الذي أشار إليه أن فقده فقد وجودها مكتوبة، لا فقد وجودها محفوظة، بل كانت محفوظة عنده وعند غيره، ويدل على هذا قوله في حديث جمع القرآن ‏"‏ فأخذت أتتبعه من الرقاع والعسب ‏"‏ كما سيأتي مبسوطا في فضائل القرآن‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين ‏"‏ يشير إلى قصة خزيمة المذكورة وهو خزيمة بن ثابت كما سأبينه في رواية إبراهيم بن سعد الآتية‏.‏

وأما قصته المذكورة في الشهادة فأخرجها أبو داود والنسائي، ووقعت لنا بعلو في ‏"‏ جزء محمد بن يحيي الذهلي ‏"‏ من طريق الزهري أيضا عن عمارة بن خزيمة عن عمه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من أعرابي فرسا، فاستتبعه ليقضيه ثمن الفرس فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي يساومونه في الفرس حتى زادوه على ثمنه - فذكر الحديث - قال‏:‏ فطفق الأعرابي يقول‏.‏

هلم شهيدا يشهد أني قد بعتك، فمن جاء من المسلمين يقول‏:‏ ويلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلا الحق، حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع المراجعة فقال‏:‏ أنا أشهد أنك قد بايعته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ بم تشهد‏؟‏ قال‏:‏ بتصديقك‏.‏

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين ‏"‏ ووقع لنا من وجه آخر أن اسم هذا الأعرابي سواد بن الحارث، فأخرج الطبراني وابن شاهين من طريق زيد بن الحباب ‏"‏ عن محمد بن زرارة بن خزيمة حدثني عمارة بن خزيمة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سواد بن الحارث فجحده، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له‏:‏ بم تشهد ولم تكن حاضرا‏؟‏ قال‏:‏ بتصديقك وأنك لا تقول إلا حقا‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ هذا الحديث حمله كثير من الناس على غير محمله، وتذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عندهم بالصدق على كل شيء ادعاه، وإنما وجه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة مجرى التوكيد لقوله والاستظهار على خصمه فصار في التقدير كشهادة الاثنين في غيرها من القضايا انتهى‏.‏

وفيه فضيلة الفطنة في الأمور وأنها ترفع منزلة صاحبها، لأن السبب الذي أبداه خزيمة حاصل في نفس الأمر يعرفه غيره من الصحابة، وإنما هو لما اختص بتفطنه لما غفل عنه غيره مع وضوحه جوزي على ذلك بأن خص بفضيلة من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زعم ابن التين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته شهادتين ‏"‏ لا تعد ‏"‏ أي تشهد على ما لم تشاهده انتهى‏.‏

وهذه الزيادة لم أقف عليها‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا

وَقَالَ مَعْمَرٌ التَّبَرُّجُ أَنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا سُنَّةَ اللَّهِ اسْتَنَّهَا جَعَلَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ أمتعكن الآية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معمر‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏

وسقط هذا العزو من رواية غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التبرج أن تخرج زينتها‏)‏ هو قول أبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى، ولفظه في ‏"‏ كتاب المجاز‏"‏‏.‏

في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى‏)‏ هو من التبرج، وهو أن يبرزن محاسنهن‏.‏

وتوهم مغلطاي ومن قلده أن مراد البخاري معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر، ولا وجود لذلك في تفسير عبد الرزاق، وإنما أخرج عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال‏.‏

كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية، وعند ابن أبي حاتم عن طريق شيبان عن قتادة قال‏:‏ كانت لهن مشية وتكسر وتغنج إذا خرجن من البيوت فنهين عن ذلك‏.‏

ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ قال عمر‏:‏ ما كانت إلا جاهلية واحدة‏.‏

فقال له ابن عباس‏.‏

هل سمعت بأولى إلا ولها آخرة‏؟‏ ومن وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ تكون جاهلية أخرى‏.‏

ومن وجه آخر عنه قال‏:‏ كانت الجاهلية الأولى ألف سنة فيما بين نوح وإدريس، وإسناده قوي‏.‏

ومن حديث عائشة قالت‏:‏ الجاهلية الأولى بين نوح وإبراهيم، وإسناده ضعيف‏.‏

ومن طريق عامر - وهو الشعبي - قال‏:‏ هي ما بين عيسى ومحمد‏.‏

وعن مقاتل بن حيان قال‏:‏ الأولى زمان إبراهيم، والأخرى زمان محمد قبل أن يبعث‏.‏

قلت‏:‏ ولعله أراد الجمع بين ما نقل عن عائشة وعن الشعبي والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سنة الله استنها جعلها‏)‏ هو قول أبي عبيده أيضا وزاد‏:‏ جعلها سنة‏.‏

ونسبه مغلطاي ومن تبعه أيضا إلى تخريج عبد الرزاق عن معمر، وليس ذلك فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخير أزواجه‏)‏ سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏